مقدمة

شاع في الخطابات المُعادية للإسلام (الصريحة منها والضمنية) أن الإسلام -في مُجمله-يتعارض مع المفاهيم العلمانية الحديثة لحقوق الإنسان. فالآراء المنتقدة للإسلام تُحاج في أنه ينتهك حرمة الفرد ويتعارض مع حماية حقوقه الأساسية؛ سواء أكان ذلك من خلال التعرض لحقوق المرأة في الإسلام واضطهادها في العالم الإسلامي، أو بالاستشهاد من الشريعة على مسائل مثل الزنا والردة. حتى قبيل أحداث 11 سبتمبر كانت انتهاكات حقوق الإنسان ضد المسلمين تتصدر عناوين الصحف باستمرار؛ من تهديدات بالقتل ضد مؤلفين مثل سلمان رشدي، وإيان هيرسي علي، ورجم المجرمين في العالم الإسلامي، وسجن ضحايا الاغتصاب في باكستان، والاعتداءات الجنسية على عاملات المنازل في المملكة العربية السعودية، والقيود المفروضة على حرية التعبير والرأي في العالم العربي بوجه عام. كل ذلك بل وأكثر من ذلك أصبح جزءًا من كابوس يعيشه الإسلام متمثلًا في تجاهل حياة الإنسان وحقوقه وحرياته. ولكن في معرض الحديث عن اضطهاد الاسلام، نجد أن حقوق الإنسان التي نعرفها اليوم يتفق على مفهومها وتنفيذها باقي العالم، فضلًا عن الإقرار بمبادئ القانون الدولي وجوهره.إن الصراع الدائر بين الإسلام وحقوق الإنسان يثير تساؤلات حول الدين، مُوَجّه للمسلمين وغير المسلمين على حدٍ سواء، وعلى وجه التحديد، حول مدى مواكبة الدين على الحقوق العلمانية الحديثة -فجميعها تساؤلات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعلاقة الإسلام بالحداثة على وجه العموم.
وعلى الجانب السياسي المعاصر، كان جوهريًا تناول دور حقوق الإنسان العلمانية الحديثة عالميًا، وبصورة أكثر عمومية، لا سيما أن وضع حقوق الإنسان اليوم بدا أكثر وأكثر وهنًا مع ظهور الفاشية الجديدة، وعودة الحكم الاستبدادي. ذلك صحيحًا ليس فقط تحت الحكم الاستبدادي في أجزاء من العالم الإسلامي، بل في الولايات المتحدة وأوروبا (اللتين كانتا قادتين وحاملتين لراية حقوق الإنسان العالمية). إن فهم التحديات التي تجابه حماية حياة الإنسان وحريته حماية حقيقية ليست مزيفة يلزمه تمهيد طريقِ قائمِ على المساواة والاحترام.
ولهذا فإن الهدف الأساسي من هذه الورقة هو دحض الانقسام السالف الذِكر بين الإسلام وفهمنا الحديث "لحقوق الإنسان". هذا الدحض هدفه مجابهة الخطاب السائد والبحث في كيفية بلوغنا هذا الانقسام الزائف وسبب هذا البلوغ، وما هي عواقبه. فالأمر يلزمه إجراء دراسة موسعة في نظام حقوق الإنسان العلماني الحديث ومصادره والتطبيق السياسي عبر الزمان والمكان. إن حقيقة تداخل تعزيز حقوق الإنسان مع الاستعمار المتواصل يُعد أمرًا مهمًا لفهم دراسة العلاقة بين الإسلام وحقوق الإنسان. وقد قال خالد أبو الفضل:
... إن الواقع السياسي - مثل الاستعمار، واستمرار الحكومات الاستبدادية الجائرة، وحقيقة النفاق الغربي في مجال حقوق الإنسان والتصور الشائع المحيط به، وظهور الحركات العنصرية للاستثنائية الأخلاقية في الإسلام الحديث وانتشارها - أسهم في خلق أساليب تفسير وممارسات لا تتماشى مع الالتزام بحقوق الإنسان... إن الاستعمار، وما صاحبه من أفكار استشراقية، لم يلعب دورًا محوريًا في تقويض المؤسسات التقليدية للتعلم الإسلامي والفقه الإسلامي فحسب، بل إنه ألقى تحديًا خطيرًا أمام المعرفة الإسلامية التقليدية للعلم والشعور بالقيم الأخلاقية. وعلى الرغم من أن القانون الدولي لحقوق الإنسان قد ورد في مختلف المعاهدات خلال فترة اكتسبت فيها معظم البلدان الإسلامية استقلالها السياسي، إلا أن التجارب الاستعمارية وما بعد الاستعمار أثرت في الاستجابة الفكرية للمسلمين في عدة نواحِ مهمة. لم يبادر المسلمون بمواجهة المفاهيم الغربية لحقوق الإنسان في شكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، أو في شكل اتفاقات دولية تفاوضية. بل إنهم واجهوا مثل هذه التصورات على أنها "عبء على الرجل الأبيض" أو "مهمة حضارية" ضد الحقبة الاستعمارية، وباعتبارها جزء من أعراف القانون الطبيعي الأوروبي التي كثيرًا ما استُغلت لتبرير السياسات الإمبريالية في العالم الإسلامي. ([1]).
ربما تُفهم الأبعاد السياسية لحقوق الإنسان، التي ستكون محور هذا البحث، على أنها الخلفية التي نشأ منها خطاب حقوق الإنسان في الإسلام والعالم الإسلامي، فضلًا عن خطاب حقوق الإنسان حول الإسلام والعالم الإسلامي. ففي الفكر الإسلامي، كانت هناك وجهة نظر مُسيّسة حول حقوق الإنسان نضحت خطابًا هدفه التوافق وعدم التوافق فحسب. أي أن هناك الكثير من الجدال حول حقوق الإنسان في الإسلام، وقد بات هذا الجدال إما آسفًا ومتعذرا (لموائمة الإسلام مع حقوق الإنسان العلمانية الحديثة) -أو مقاومًا يذهب إلى أن الإسلام بطبيعته يتجاوز حقوق الإنسان الغربية.  ([2]).
يقدم هذا البحث لمحة تمهيدية عن الحقوق في الإسلام، في محاولة لتوضيح موقف الإسلام منها، من خلال الاستشهاد بالقرآن الكريم والشريعة عن حقوق الإنسان.

إشكالية تاريخ حقوق الإنسان المعاصرة

عندما تمر في أذهاننا حقوق الإنسان اليوم يلازمنا ارتباط نسبي في الحال، ألا وهو الالتزام الدولي بهذه الحقوق المتمثل في شكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد وُضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في عام 1948، وهدفه الأساسي هو تعزيز الحقوق الفردية الأساسية وحمايتها. ([3]) وقد تأسست الأمم المتحدة ذاتها قبل ثلاث سنوات فقط في عام 1945، بهدف تعزيز الضغط المُمارس من أجل أن تدرج في ميثاقها ميثاقًا دوليًا للحقوق. إن السياق العالمي لما بعد الحرب وما بعد المحرقة يعني أن قادة العالم، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، كانوا مهتمين بإنشاء نظام عالمي دولي يضع حدودًا لسلطة الدولة على شعبها، وهذا من شأنه أن يكفل الحريات، والكرامة لجميع الناس بعد أهوال النظام النازي.  ([4]) ولكن فكرة الفرد الحامل للحقوق في واقع الأمر لم تبدأ بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو الأمم المتحدة. وبمعنى آخر، كان مفهوم حقوق الإنسان، وحرمة الحياة، وحماية كرامة الإنسان وحريته، له جذور أكثر، أوسع، وأعمق مما هو معروف أو معترف به. ولكي نفهم تمامًا المسائل المعقدة التي تكتنف الجدل حول حقوق الإنسان والإسلام، وبصورة أعم، انتقادات حقوق الإنسان المعاصرة، يجب التحقيق في جذور تاريخ الفكرة ذاتها. وعند الشروع في ذلك، سنكتشف أن هذه الجذور شاسعة ومتقاطعة وتسلّط الضوء على بعض المسائل الراهنة التي تواجه هذا الموضوع تحديدًا.
بادئ الأمر هناك فرق بين مفهوم حقوق الإنسان، وروح القوانين الدولية لحقوق الإنسان. إن فكرة حقوق الإنسان تتأتى من مزيج من الأفكار الدينية، والقانون الطبيعي، القانون الروماني، وقيم التنوير؛ جميعها أثّر في النظام الحالي للقوانين الدولية لحقوق الإنسان. وقد تأسس الفهم الأولي لحقوق الإنسان في العالم الغربي على أسس دينية راسخة. فكما أعلن توماس جيفرسون في 1779:
نحن نرى أن هذه الحقائق بديهية، إن جميع البشر خلقوا متساوين، وأنهم وهبوا من خالقهم حقوق غير قابلة للتصرف، ومن بين هذه الحقوق حق الحياة والحرية والسعي وراء السعادة.. ([5])
بعد ذلك بوقت قصير، قال ألكسندر هاملتون:
إن حقوق البشر المقدسة لا نجدها في المخطوطات القديمة أو السجلات البالية. بل هي مكتوبة، كما هو الحال في شعاع الشمس، في كتاب الطبيعة البشرية على يد الألوهية ذاتها، التي لا يمكن محوها أو حجبها. ([6])
ولكن القانون الدولي لحقوق الإنسان في حد ذاته، وفقًا لبول سيغارت، تجاوز تلك الأفكار التي نبع منها:
... [وهو] معيار دولي رفيع، نشأ بموافقة مشتركة، نتج عنه طمس الحاجة إلى معايير تقوم على أنظمة من القانون الإلهي أو القانون الطبيعي... وللحكم على ما إذا كان القانون الطبيعي جيدًا أو سيئًا، أو عادلًا أو غير عادل، فإن اللجوء للخالق أو للطبيعة أو إلى الإيمان لم يعد ضروريًا في أي منها.([7])
ولقد كانت الفترة الأكثر ارتباطًا بتنمية حقوق الإنسان هي عصر التنوير، الذي بدأ في القرن السابع عشر، وظل قائم حتى القرن التاسع عشر. وقد أطلق على عصر التنوير أيضًا عصر السببية، وقد ميّز نهاية العصور الوسطى في أوروبا من خلال انتشار الابتكار العلمي والتجارة والتوسع العالمي وظهور الطبقة الوسطى وتفكك النظام الإقطاعي. ومن بين الخصائص الرئيسة الأخرى لهذا العصر ما يوصف الآن ببداية العلمانية؛ أي الفكر العقلاني. وفي الوقت الذي كانت أوروبا تمر فيه بحروب بين الكاثوليك والبروتستانت، ظهرت فئة جديدة من المفكرين العلمانيين، ومنها شخصيات بارزة مثل رينيه ديكارت، وإمريش دي فاتيل، وصمويل بوفندورف، وهوجو غروتيوس، حيث عكف هؤلاء على تصور مفهوم الفرد العلماني، مصحوبًا بالحريات التي تتجاوز دينه. وفي 1625، قال غروتيوس في كتاب "حقوق الحرب والسلام":
إن القانون الطبيعي المستقى من الله والطبيعة يمنح جميع البشر حقوقًا طبيعية مُحددة من أجل حمايتهم ومعاملتهم معاملة عادلة ومتكافئة بغض النظر عن العقيدة أو الوضع المدني. ([8])
وبعد بضع سنوات في عام 1628، أصدر البرلمان الإنجليزي تباعًا "وثيقة الحقوق"، وهي وثيقة دستورية ترسي حقوق الأفراد التي لم يستطع الملك انتهاكها في انجلترا خلال هذه السنوات، بلغت القلاقل ذروتها بين البرلمان والملك، ذلك أن البرلمان رفض تمويل المجهود الحربي، وكذلك الحجز على الأموال والسجن التعسفي على يد الملك تشارلز لاحقًا لأولئك الذين لم يمتثلوا لقراراته. وفي هذا السياق، في أواخر القرن السابع عشر، نشر الإنجليز قانون الحضور أمام المحكمة، الذي يمنح السجناء الحق في المثول أمام المحكمة، كل هذه التطورات وغيرها تُشكل تحديات قوية ضد الحكم الملكي المطلق؛ وقد انتهت هذه التحديات بوضع وثيقة الحقوق الإنجليزية في عام 1689، والتي تضمنت الحقوق غير القابلة للتصرف في الحكومة التمثيلية، والانتخابات الحرة، وحرية التعبير، والتسامح الديني، والمحاكمة من قبل هيئة المحلفين، وحظر العقوبة الغليظة وغير المعتادة. في القرن الثامن عشر، كانت هناك أسباب ثورية في انجلترا وأمريكا وفرنسا وظفت هذا الخطاب المتصاعد الداعم لحقوق الإنسان على تحدي سلطة الدولة -سواء أكانت مَلكَية أو استعمارية -والدعوة إلى الاستقلال. وقد أصبح شعار "الكرامة والحرية والمساواة والإخاء"، وهي المطالبة الثورية الفرنسية الشهيرة، شعارًا مشتركًا لمختلف الثورات الغربية الداعية للاستقلال. ([9]) ومن المفارقات أنه في حين أن الثورة الفرنسية نضحت إعلان حقوق الإنسان والمواطن (وهو ميثاق يعتقد أنه واحد من الوثائق التأسيسية لحقوق الإنسان) قد وُصف جزءٌ منه في ذات الوقت بأنه عهد الإرهاب، وهي فترة من العنف البالغ الذي كانت الحكومة الثورية تعاقب بوحشية أي شخص يشتبه فيه عدم دعم القضية الثورية. فخلال هذه الفترة (التي يُرمز إليها باسم "المقصلة سيئة السمعة") أُلقي القبض على ما لا يقل عن 300,000 شخصًا، أُعدم 17,000 منهم، ومات الـ 10000 الآخرين في السجن.([10])
غير أن هناك المزيد من المعلومات عن تاريخ حقوق الإنسان أكثر عن أصولها في التنوير الأوروبي:
بدأت الخطوات الأولى في هذا الاتجاه مصحوبة بأول الأفكار والمعتقدات حول قيمة الحياة البشرية، ماذا يعني أن تكون إنسانًا حقًا؟ وهل يتحمل الناس أي مسؤولية عن رفاه الآخرين؟ وبالنظر إلى هذا النوع من القضايا العميقة والعالمية والدائمة، فليس من المستغرب أن بعض الفلسفات الهامة الأولى المتعلقة بحقوق الإنسان نبعت من الأعراف الدينية. إن أعظم ديانات العالم تقريبًا (على الرغم من الاختلافات العديدة فيما بينها) تؤكد على قيمة الحياة البشرية وكرامتها، والأواصر المشتركة التي تربط البشرية، والمسؤولية التي تتبلور في إظهار المؤمنين الرحمة عند التعامل مع الآخرين كما يودون معاملة أنفسهم، ومؤازرة أولئك الذين يتألمون ويعانون. إن هذه الصور الأولى من الدين ربما لم تنشئ حقوقًا شخصية أو قانونية، بل إنها بثت أعرافًا ومبادئ جلية من شأنها الاسترشاد بالتطورات اللاحقة في الحقوق.([11])
في أغلب الأمر يُطمس دور الأديان غير المسيحية من تاريخ حقوق الإنسان، وقد بزغت حركة حقوق الإنسان في بعض الأحيان كنوع من مهمة التحضر والتمدن ثم قُدمت إلى الناس من مختلف الديانات والثقافات في جميع أنحاء العالم الذين يُعتبر تعرضهم لهذا المفهوم لازمًا، وفي حقيقة الأمر في خطاب حقوق الإنسان المعاصر، غالبًا ما يُصنف الدين على أنه عدو حقوق الإنسان، وأنه سبب الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان، وأنه الضوء الأخضر للسلطوية المُطلقة، وأنه عقبة أمام الحرية الفردية. ([12]) ونتيجة لذلك، فإن سرد الحقوق يتوسط أي إطار أوروبي مسيحي حيث توجد في الواقع لغات أخرى للحقوق. ففي الثقافات الأسيوية (الهندوسية، والبوذية، والجاينية، والكونفوشيوسية)، لم تكن لبنات البناء في مجرد مجتمع حر وعادل هي ما تمثل حقوق الأفراد، بل أنها التزامات الأفراد أمام المجتمع الذي ينتمون إليه. ([13]) وعلى الرغم من أننا في هذه الورقة بعد ذلك سنُبحر في أعراف حقوق الإنسان في الإسلام، فإنه من المفيد الانتقال أيضًا إلى أمثلة من التقاليد الدينية والروحية الأخرى وإيجاز خطاباتهم المتعلقة بحقوق الإنسان. هذه النظرة العامة قد توسع نطاق تاريخ حقوق الإنسان، فهي لا تشير فحسب إلى وجود بعض القيم الشاملة في التقاليد الدينية المختلفة، بل إنها توسع دائرة النقاش في إطار هذه التقاليد نفسها حول ماهية حقوق الإنسان وكيفية تطبيقها؟
وفي رأي صريح جريء لأليوت دورف في مقالته "حقوق الإنسان من منظور يهودى" قال:
إحدى القناعات النظرية الأساسية لليهودية هي أن الله خلق العالم ويملكه. فذلك يرسي أساسًا للمطالبات الأخلاقية المختلفة تمامًا عن البدائل العلمانية. فمن وجهة نظر اليهودية، لا تلعب مآسي الحياة دورًا في حياة الأفراد الذين لديهم حقوق متأصلة غير قابلة للتصرف، بل لعبت دورًا في الواجبات الإيجابية والسلبية نحو الله.([14])
ويواصل دورف توضيحه بأنه في حين أن اليهودية تمنح قيمة هائلة لكل فرد بصفته مخلوقًا فريدًا من نوعه، فإن الحقوق والمسؤوليات تستند إلى عهد بين البشر وخالقهم. ولنضرب مثلاً آخر: ففي البوذية هناك جدال واسع حول ما إذا كانت حقوق الإنسان الحديثة تتفق مع التقاليد البوذية أم لا. فقد صيغت عديد من الأفكار البوذية الحديثة بعد رهبان المجتمع البوذي الأول، وكانت أحد خصائصها الرئيسة هي التحرر من الأنا. وهذا بدوره أصبح أساسًا لخطاب بوذي لحقوق الإنسان لم يكن أساسه الحقوق على الإطلاق، بل بالأحرى الواجبات. وبعبارة أخرى، ترسي المبادئ البوذية واجبات الأفراد تجاه الآخرين في مجتمعهم، وهي الواجبات التي ترسي حقوق الآخرين في نهاية المطاف. على سبيل المثال، قال جيمس فريدريكس:
ترسي البوذية واجب الزوج في دعم زوجته دون أن يذكر صراحة أن للزوجة حقًا في الحصول على الدعم. ومع ذلك... يرسي واجب الزوج حق الزوجة في ذلك الواجب.([15])

النسبية والعالمية الثقافية

وانطلاقًا من السؤال المُثار وارتباطًا به ارتباطًا وثيقًا حول منبع فكرة حقوق الإنسان؟ وهو سؤال -كما يتضح من هذا التاريخ القصير لحقوق الإنسان-لم تكن إجابته مقتضبة ولا منفردة، ويتطلب اعترافًا بالعديد من التقاليد العلمانية والإيمانية في الغرب والشرق، بل هو السؤال الدائر حول من ذا الذي يحدد ماهية حقوق الإنسان تلك. هذا النقد يتضح بشكل أكبر في الجدال القائم بين ما يسمى بالحجج النسبية الثقافية والعالمية المتعلقة بحقوق الإنسان. وها هو جاك دونيلي، في مقالته الإبداعية "النسبية الثقافية وحقوق الإنسان العالمية" صيف طيفًا يمكننا من خلاله فهم هذين المفهومين. إنهما محددان كوضوح الشمس في أقصى الحالات: ففي أحد أطراف لطيفين، نجد النسبية الثقافية الجذرية التي هي وسيلة للتفكير في حقوق الإنسان التي تعطي الأولوية لشرعية المعايير والمعتقدات الثقافية باعتبارها المصدر الوحيد للسلطة في تحديد الحقوق وحدودها. من ناحية أخرى، تحاج النزعة الراديكالية العالمية في أن الثقافة دخيلة على مسألة الحقوق الممنوحة للناس بحكم كونهم بشر وأن المفاهيم العالمية للأخلاق هي ما يثبت صحة تعريف هذه الحقوق.([16])
هناك مشكلة جلية هنا تتعلق بالسلطة على الأخلاق، وهي من الذي يقرر ما هو الأفضل لمجموعة من الناس وكيف يعيشون حياتهم؟ وكما قال دونيلي:
إن النزعة الراديكالية العالمية يلزمها تسلسل هرمي جامد لترتيب المجتمعات الأخلاقية المتعددة التي ينتمي إليها الأفراد والجماعات. فيتوجب على حامل النزعة الراديكالية العالمية إعطاء الأولوية المطلقة لمطالب المجتمع الأخلاقي العالمي على حساب تلك المجتمعات الأخرى الأدنى. وهذا الجحود بالاستقلالية الأخلاقية الوطنية ودون الوطنية مشكوك فيه في أحسن الأحوال.([17])
وبهذه الطريقة يرفض الإطار العام للراديكالية العالمية تمثيل المجتمعات؛ سواء الوطنية أو الدينية أو الثقافية، من أجل تحديد ومتابعة مفاهيمها الخاصة حول الأخلاق، وماذا يعني كونك إنسان؟، وكيف ينبغي أن يُعامل البشر؟. فطبيعة الحال هذا الأمر يمثل إشكالية جسيمة، إذا أن هذه الأسئلة هي مربط الفرس وغرض العديد من المجتمعات والأعراف، ومنها الإسلام. بل هناك ما هو أكثر من ذلك، فهو يؤثر على عملية تعزيز حقوق الإنسان وكذلك التدخلات في تلك العملية، ذلك أنه -عملية تعزيز حقوق الإنسان والتدخلات فيها-يتأسسان بالضرورة على ديناميكية السلطة التي يقرر من خلالها مجموعة واحدة من الأفراد أفضل طرق العيش لمجموعة أخرى.
ومن ناحية أخرى، يتحتم التفكير في مزاعم النسبية الثقافية وكذلك نقدها، لا سيما عندما يكون الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان. فالخطر هنا يحوم حول انتهاك حقوق الناس وحرياتهم التي يمكن أن تبررها المزاعم الثقافية أو الدينية. يقول دونيلي:
وعلى سبيل المثل، أنظمة الاسترقاق والعبودية، التي تنكر ضمنًا وجود إنسانية مشتركة تحمل معنويات أخلاقية، تقع مُدانة من العالم أجمع تقريبًا، حتى في أكثر المجتمعات جمودًا. وعلى غرار ذلك، فقد طُمست الفوارق الأخلاقية الأساسية بين المطّلعين والدخلاء إلى حدٍ كبير من خلال تنقل الأفراد بمجرد الالتزام الطموح نحو فكرة مجتمع أخلاقي عالمي. والنسبية تعتمد على مفاهيم الاستقلالية الأخلاقية وتقرير مصير الطوائف والجماعات. وحتى يتسنى العول على أحكام داخلية بالكلية فذلك مناطه هو إبطال مسؤولية الفرد الأخلاقية باعتباره عضواً في المجتمع الأخلاقي العالمي. ([18])
وقد نعتمد هذه المسألة كدراسة حالة ذات صلة بالجدال الدائر حول المرأة المسلمة، وصوره المختلفة للتغطية، من أجل تسليط الضوء على جانبين مُهمين من هذا الجدال: أولهما هو التوتر بين النسبية والعالمية عند تقييم حقوق الإنسان، وثانيهما، طريقة تفاقم هذه التوترات في ظل تعقيدات سياسية وثقافية وتاريخية مُحددة في حالة الإسلام والعالم الإسلامي اليوم. وعلى وجه التحديد في السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر مباشرة، مع ظهور حرب إدارة بوش على الإرهاب والتدخل العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان، كانت حقوق النساء المسلمات موضوعًا جوهريًا في الخطابات الأمريكية الإعلامية، والسياسية، والناشطة، والنسوية، وحتى الأكاديمية. وقد باتت الجهود الحربية في نظر العديد من الأمريكيين مرتبطة بتحرير النساء المسلمات اللواتي يتعرضن للقمع والاضطهاد بطرق مختلفة -أحدها هي التغطية القسرية لشعرهن وأجسادهن. هذه الخطابات تتناسب تحديدًا مع كونها جزءًا من القضية الأكبر التي تواجه الإسلام حسب ما توظفه إدارة بوش، والتي يمكن أن تكون أفضل وأكثر إيجازًا كما نقلها جورج دبليو بعد خطاب 11 سبتمبر حيث قال فيه عن المسلمين حول العالم: “إنهم يكرهوننا لأننا أحرار.” ([19]) فالافتقار إلى الحريات وحقوق الإنسان الأساسية التي يمنحها نظام إسلامي ذكوري وقمعي للمرأة المسلمة هو مجرد مثال واحد، وإن كان مثالاً فعالاً بشكل استثنائي، يبرر دعمنا للقوات العسكرية الأمريكية في الأراضي الإسلامية، ويؤجج الشعور بأن هذه الحرب كانت في الواقع مهمة تحررية ومتحضرة.
في عام 2007، كتبت ليلى أبو لغد مقالًا مهمًا حول هذا الموضوع "هل المرأة المسلمة حقًا بحاجة لمن ينقذها؟ تأملات أنثروبولوجية حول النسبية الثقافية وعواقبها." وقد ذهبت إلى تحليل تداخل الحركة النسوية الليبرالية الغربية لحقوق المرأة والحرب على الإرهاب وخطابها في أوائل عام 2000، وعلى وجه التحديد لأنه كانت تقودها القيادات النسائية الغربية. حيث قالت:
والخطاب الإذاعيّ للسيّدة الأولى "لورا بوش" الموجّه إلى الأمّة في 17 نوفمبر...فمن ناحية أولى، قام هذا الخطاب بهدم الاختلافات القديمة. إذ تضمّن خلطًا مستمرًا بين طالبان والإرهابيين، ليغدو الأمران في نهاية المطاف شيئًا واحدًا، وجهان لهويّة شرسة ومتوحّشة. ومن ثم نجد تغييبًا تامًا للأسباب الحقيقيّة لمعاناة الأفغانيات من سوء التغذية والفقر والمرض والحرمان من حقّ العمل الذي أقرّته طالبان في الآونة الأخيرة، وصولًا إلى التعليم ومتعة طلاء الأظافر. ومن ناحية أخرى، لعب خطاب لورا بوش لصالح تقسيمات عميقة مستجدّة بين "الشّعوب المتحضّرة القاطنة جلّ أرجاء المعمورة" والتي تنفطر قلوبها حزنًا على النساء والأطفال الأفغان من جهة، وطالبان والإرهابيين، تلك الوحوش الثقافية التي تسعى، بحس عبارتها "إلى فرض عالمها على بقيّتنا"، من جهة أخرى. من الواضح إذن، أنّ الخطاب قد وظّف مسألة المرأة لتبرير القصف والتدخّل الأمريكي في أفغانستان ومن أجل افتعال قضيّة تخدم تلك "الحرب ضدّ الإرهاب" من خلال الزّعم بأنّ الأولى جزء من الثانية. حيث تقول لورا بوش: "تبعا لما حقّقناه من انتصارات عسكريّة في العديد من مناطق أفغانستان، لم تعد النساء سجينات منازلهنّ. حيث أضحى بمقدورهنّ الاستماع إلى الموسيقى وتعليم بناتهنّ دون الخوف من أيّ عقوبة...([20])
لكن نقد ليلى أبو لغود تجاوز الطريقة التي تُستخدم بها النساء المسلمات كأداة في الخطاب التفريقي "نحن" و "هم" و "الغرب" و "الآخر". كما أنها تحدد على نحو قويم الإشكالية التي تحيط بالثقافة في "خطة" حقوق الإنسان:
لماذا يُعتقد أن معرفة "ثقافة" المنطقة، وخصوصًا المعتقدات الدينيّة السائدة فيها وأساليب معاملة النساء، أهمّ من الكشف عن تاريخ تطوّر الأنظمة القمعيّة في المنطقة ودور الولايات المتّحدة في ذلك؟ إنّ حصر الأمر في مثل هذا الإطار الثقافي، هو ما يمنع الكشف الجّاد عن جذور المعاناة الإنسانيّة وطبيعتها في ذاك الجزء من العالم. ([21])
وبعبارة أخرى، في حين أن الجدل بين المزاعم الثقافية النسبية والعالمية حول حقوق الإنسان تُعّرف الثقافة -بما في ذلك الدين-بأنه عبارة عن مجموعة من نظم ومعتقدات قيمية جامدة وغير متغيرة وحتمية، ولفت أبو لغد عين الانتباه إلى الترابط العالمي بين الثقافات، فضلاً عن دور التاريخ والسياسة في تشكيلهما وأوجه قصورهما في مجال حقوق الإنسان.
وأخيرا، تدور الحجة الأساسية الأخرى التي ساقتها ليلى أبو لغد الحول قبول الاختلاف -وفي هذه الحالة، عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمرأة المسلمة -وما يعنيها انتهاء "خطة" حقوق الإنسان. حيث قالت:
فهل بوسعنا فقط إنقاذ النّساء الأفغانيات لكي يصبحن مثلنا، أو إنّه يجب علينا أيضًا تفهّم رغبتهنّ رغم "تحريرهنّ" من قبضة طالبان في سلوك طرائق أخرى غير تلك التي سطّرناها لهنّ؟ وأذكّر مرّة أخرى، بأنّني حين أتحدّث عن تقبّل الاختلاف، فأنا لا أعني تبنّي موقف دعاة النسبيّة الثقافيّة الذين يحترمون كلّ ما يدور على أرض أخرى تقديسًا لمبدأ "إنّها ثقافتهم". لقد ناقشت في موضع آخر خطورة التّفسيرات "الثقافيّة"، ف "ثقافتهم" هي جزء من التّاريخ ومن عالم مترابط، بالضّبط كما هي حال ثقافتنا. قد نكون نريد العدالة للمرأة لا أكثر ولا أقلّ، لكن هل يمكننا تقبّل فرضيّة وجود أفكار متمايزة عمّا نعتقد بشأن ماهيّة العدالة وأنّ نساء مختلفات ربّما سيرغبن في، أو يخترن، مصائر مختلفة عن مصائرنا ؟ كما يجب أن نضع في اعتبارنا أيضا إمكان نشدانّهنّ للتميّز الفردي..([22])

العنف والاضطهاد باسم حقوق الإنسان

إلى أي مدى يظل تطبيق خطاب حقوق الإنسان أمرًا اختيارياً بين يدي القائمين على السلطة؟ إلى أي مدى يظل شعار حقوق الإنسان مبررًا للحملات التي تتعامل بوحشية مع "الآخر" من أجل ضمان المصالح السياسية للنخبة وبقائها؟
إن نقد "خطة" حقوق الإنسان المعاصر التي ترتبط حتمًا بالإسلام والعالم الإسلامي يرتبط بفكرة الأمن، لا سيما في العقدين الماضيين. وقد أدت هجمات 11 سبتمبر إلى خلق "خطة عنيفة" مناطها الأمن الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، وقد شملت تعزيز التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج وتشديد تدابير الأمن القومي على الصعيد المحلي. إن مسألة الأمن تثير نقاشًا مثيرًا للجدل حول التوتر بين الأمن وحماية الحقوق سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو مدنية أو غير ذلك، سواء داخل حدود البلدان أو خارجها. فلا تزال آثار النموذج الأمني الجديد الذي بدأ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين واضحة على الصعيدين المحلي والدولي، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بقضايا ظاهرة الخوف من الإسلام التي تغذي خطاب "صراع الحضارات"  ([23]) المتعلق بالإسلام وحقوق الإنسان. وفوق كل شيء، تثير المناقشات المتعلقة بالأمن مسائل حول من يستحق حماية حقوقه الإنسانية دولياً ومن يستحق سخطها، ولأي أغراض تعتبر التضحية بهذه الحقوق أمرًا مبررًا.
تبرير التعذيب
شهدت حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية نقاشًا مثيرًا للجدل حول استخدام التعذيب، حيث كان المرشح الجمهوري آنذاك دونالد ترامب يدافع عن استخدام التعذيب من البداية حتى وصوله إلى فوزه، معلنًا في أول مقابلة رئاسية له: "إن [التعذيب] نتائجه مؤكدة... علينا مواجهة النار بالنار  ([24]) والعمل على إعادة فتح سجون المواقع السوداء التابعة لوكالة المخابرات المركزية والسجون السرية في جميع أنحاء العالم التي كانت تُستخدم لاحتجاز المشتبه بهم في حرب جورج دبليو بوش على الإرهاب - الأمر الذي لم يثر الاستياء البالغ من جانب الديمقراطيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان فحسب، بل حتى الكثيرين ممن في حزبه. ففي أحد جوانب الجدل، يعتبر التعذيب انتهاكاً للمادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة.  ([25]) ثم إن التذرع لارتكاب التعذيب يتجذر في المقام الأول في توصيفه باعتباره شر حتمياً لتحقيق الأمن وحماية البلاد ومواطنيها ومصالحها. وإذا طرحنا الخطاب جانبًا، فلسنا بحاجة إلى النظر إلى أبعد من الجرائم التي كانت تُرتكب في سجن أبو غريب وغوانتانامو حتى نتأكد من أن التعذيب لا يزال عنصرًا تكتيكيًا قائمًا ومتواصلًا. بيد أن الجدل حول التعذيب هو دليل على الدينامية بين حقوق الإنسان والأمن، إذ تصدّر هذا الأخير على الأول في نية ترامب -لعدم وجود كلمة أفضل.
يجادل آلان ديرشوفيتز، وهو باحث قانوني في جامعة هارفارد حتى تقاعد، في تصدّر الأمن للأولوية في مقاله "تبرير التعذيب" الذي نُشر في عام 2004. إذ يزعم آلان ديرشوفيتز أنه كان ضد التعذيب باعتباره "كمسألة معيارية"، ولكنه -على حد قوله-في بعض الأحيان يكون حتمياً في حالات "القضايا الإرهابية ذات القنبلة الموقوتة".  ([26]) إذ بات رمز القنبلة الموقوتة سائدًا في اللقاءات المتعلقة بالتعذيب و الإرهاب، حتى أنه انتشر في ثقافة العامة على شاشات التلفزيون وفي الأفلام -كاستخدام عبارات مثل "ضيق الوقت"، و"التهديد بهجوم إرهابي"، و"الإدانة المؤكدة للمشتبه به"، فجميعها تخلق ظروفًا للتعذيب في ظل أداة ضرورية ومبررة.([27])
تدهور الحريات المدنية
هناك مثال آخر على حقوق مجموعات معينة يجري تقويضها باسم الأمن الذي ربما يكون أقرب إلى الموطن، ألا هو النداءات الأخيرة بالحقوق المدنية لبعض الأقليات في الولايات المتحدة، وهم المهاجرون والأمريكيون المسلمون. إن قانون باتريوت، الذي تم تمريره بعد 11 سبتمبر، كان يهدف إلى مكافحة الإرهاب، وأثار الكثير من الأسئلة والمخاوف حول انتهاكات حقوق الأمريكيين، بما فيها حقهم في الخصوصية. وحول قانون باتريوت الصادر في عام 2003، كتب ديفيد كول في مقاله المهم قائلاً "دعونا نكافح الإرهاب، وليس الدستور"،
... إن قانون باتريوت الأمريكي... ينتهك المبادئ الدستورية الأساسية، مما يجعل المهاجرين يلجؤون إلى احزابهم السياسية، ويستبعدون الكلام الصريح، ويحتجون على ما يقوله النائب العام. فمن خلال فرض القانون لأقسى التدابير أمام المهاجرين -المهاجرين العرب والمسلمين في المستقبل القريب-فهو بذلك يضحي بالالتزام بالمساواة من خلال المزايدة بحرية الأقلية مقابل أمن الأغلبية.  ([28])
ومنذ ذلك الحين تفاقم القلق بشأن الحريات المدنية للعرب والمسلمين في أمريكا فقط، إذا توسعت تدابير مكافحة التطرف العنيف محلياً لتشمل استراتيجيات مثل المراقبة السرية ونصب الفخاخ في المجتمعات الأمريكية المسلمة. ([29])
هذه الأمثلة المعاصرة والمحلية من التناقضات في حقوق الإنسان لا علاقة لها بالإشكالية التاريخية المتأصلة لدى الغرب والإشكالية التي ينظر إليها على أنها "أخرون" -سواء داخل حدود الدولة القومية أو خارجها. حيث قال شاندرا مظفر:
ولكن ما هو محزن هو أنه في حين بنيت أوروبا صرح الفرد داخل حدودها، دمرت الإنسان على الجانب الآخر. ومع توسع حقوق الإنسان بين البيض، فقد ارتكبت الإمبراطوريات الأوروبية أخطاءً بشرية مروعة لحقت بسكان هذا الكوكب من مختلفي الألوان. كان القضاء على السكان الأصليين في الأميركتين وأستراليا واسترقاق الملايين من الأفارقة خلال تجارة الرقيق الأوروبية هما أكثر المآسي الإنسانية المنتهكة لحقوق الإنسان في فترة الاستعمار... وعلى الرغم من انتهاء الحكم الاستعماري الرسمي، إلا أن أثر الهيمنة والسيطرة الغربية لا يزال مستمرًا على حقوق الإنسان للغالبية العظمى من الشعوب في العالم غير الغربي باستخدام وسائل ماكرة ومعقدة ليست أقل هدمًا وتدميرًا.([30])
عندما يتعلق الأمر بالإسلام، من بدايات الاستعمار، فإن العلاقة بين القوى الاستعمارية والعالم الإسلامي تضمن خطابًا حول حقوق الإنسان غير متكافئ في توزيع السلطات. في كتاب لجوزيف مسعد بعنوان "الإسلام في الليبرالية"، يوسع جوزيف مسعد رقعة الحديث لتشمل الجدال بأن الإسلام بات هو "الآخر" الذي تحتاج إليه القوى الاستعمارية الغربية لتعريف نفسها وتبرير توسعها الإمبراطوري. إذ يقتبس قول "بول كان"، الذي يصف الموقف الأمريكي إزاء المبادئ الليبرالية بما فيها حقوق الإنسان:
يبشر المبشرون بالديمقراطية، والأسواق الحرة، وسيادة القانون -كل المؤسسات التي تقوم على إيماننا بالمساواة والحرية لكل شخص. وهذا الالتزام المتصلب بمجتمع عالمي هو جزء من تقاليدنا المسيحية والتنويرية. ونحن نمرر ذلك في نفس الوقت كنوع من الحب المطلق، وكإيمان بقدرة كل فرد على الدخول في نقاش عقلاني يثمر اتفاق متبادل. نعتقد أنه لا أحد أبعد من التحول إلى قيمنا. فعندما نحلم بنظام عالمي، نوجه أهدافه نحوه. ولا نتصور أن المجتمع العالمي في المستقبل سيقوده رجال الدين المسلمون. ([31])
وهذا بمثابة مقدمة لإشكالية حقوق الإنسان والإسلام في ظل مفهوم وطني واستعماري، وهي إشكالية ما زلنا نشهدها في السياسة الخارجية الغربية والمشاركة العسكرية في العالم الإسلامي. فمن الناحية التاريخية، كانت الذريعة المستخدمة في الخطاب السائد حول انتشار القيم الليبرالية وحمايتها -بما في ذلك حقوق الإنسان-لمن لهم دور أساسي في تبرير الحروب والاحتلال والتعذيب ضد آخرين منهم.
حقوق الإنسان في الإسلام
وننتقل أخيرًا إلى وصفِ موقف الإسلام من الحقوق. على الرغم من أن مسألة التوافق تتطلب نقدًا سليمًا -متمثل في سبب تصورنا لمثل هذا التعارض بين الإسلام وحقوق الإنسان، وما هي أوجه التعارض في فهمنا لحقوق الإنسان في المقام الأول؟ - وفي نفس الوقت من المهم أن نلاحظ عناية الإسلام واهتمامه بكرامة الفرد وحرياته ولإنشاء مجتمع عادل ومتسامح. ففي يومنا الحالي، فإن بعضاً من أكبر المسائل الجدلية حول الإسلام وحقوق الإنسان تأتي من الأسئلة التي تعمق فيها الباحثون في معهد اليقين للدراسات الإسلامية، ولا سيما فيما يتعلق بـ "الرِدَّة و "حقوق المرأة"، و "حقوق الأشخاص من ذوي الديانات الأخرى".  وفي هذا القسم لن أتناول تفاصيل هذه المناقشات؛ بل سأتناول المواضيع الأوسع التي تؤثر على كيفية تفكيرنا في حقوق الإنسان في الإسلام. ولا يمثل هذا القسم بأي حال من الأحوال عرضًا شاملًا لنظرية حقوق الإنسان في الإسلام، بل الغرض منه هو مجرد بيان بأن الإسلام ومفهوم حقوق الإنسان لا يناقضان أحدهما الآخر.
يقول إبراهيم موسى في مقالته بعنوان "معضلة أنظمة الحقوق الإسلامية" إن النهج الأخلاقي تجاه البشرية هو في الواقع أساس الدعوة الإسلامية:
منذ بداية رسالة الإسلام إلى العرب في القرن السابع عشر، فقد كانت تبدي انشغالاها بالظروف الاجتماعية والأخلاقية والحالة الروحية للبشر. فقد كان الإله الذي يدعو إليه النبي -صلى الله عليه وسلم -هو "رب العالمين" و "رب الناس". وكان موضوع وحي النبي هو القرآن، ولم يكن منزلًا خصيصًا لكشف ذات الله للإنسانية، بل نزل حينما كان الوحي هو الفكرة المهيمنة لدى الإنسانية. ([32])
ويمضي إبراهيم موسى يضرب المثل بأساليب الحكم التي كان يمارسها النبي -صلى الله عليه وسلم -في المدينة المنورة، مستشهدًا باتفاق المدينة المنورة بأنه اتفاق بين مختلف الطوائف الدينية في المدينة، وفقاً للمعايير التي وافق جميع الموقعين عليها على بعض الحقوق والمسؤوليات. وقد امتد مثال النبي صلى الله عليه وسلم ليشمل الأجيال القادمة من المسلمين والتوسع الإسلامي، الذي كان يحمي حقوق رعاياه بغض النظر عن الدين والمعتقدات. ([33])
ويصف خالد أبو الفضل هذه القيمة الأساسية للعدالة في الإسلام. إذ يقول: إنه بهذا المعنى يكون دور الدولة هو التمسك بالعدالة ودعمها في المجتمع من خلال حماية مواطنيها. ويقول خالد أبو الفضل عن القيم - مقتبسًا من قول ابن القيم:
أرسل الله رسالته وكتبه ليرشد الناس إلى العدل... فإذا بُنى حكم عادل، بأي وسلة كانت، فهنالك طريق الله... وفي الواقع، فإن الغرض من اتباع طريق الله هو إقامة البر والعدل... لذا فإن أي طريق ثبت أنه صحيح وعادل فهو الدرب الذي يجب أن يسلكه المسلمون. ([34])
في مراحل الفقه الإسلامي الأولى، أرسى العلماء والفقهاء المسلمون ثلاث فئات من الحقوق: حقوق الله، وحقوق الأفراد، وحقوق الغير. ويصف إبراهيم موسى حقوق الله ويقول:
أنها الحقوق والواجبات التي لها ضرورة حتمية ومبرر ديني. وقد تنطوي على أفعال إلزامية ذات الطابع التعبدي كالعبادات، أو التي تعود بالنفع على المجتمع بأسره. ([35])
إضافةً إلى هذه الفئة، يضيف إبراهيم موسى أعمالاً مثل أداء أركان الإسلام الخمس وتقديم الخدمات التي تؤدي حماية المجتمع من الأذى وبث الخير في المجتمع وتعزيزه. أما الفئة التالية، ربما تكون هي الفئة الأكثر صلة بالموضوع قيد النظر، هي حقوق الأفراد. تُعني هذه الحقوق حقوق الفرد ومصالح المجتمع وتخاطب المخاوف والشواغل الدنيوية التي تهم الناس، بما في ذلك القضايا العلمانية والمدنية، مثل الحق في الصحة والأسرة والسلامة والخصوصية. وأخيرا، فإن فئة الحقوق المزدوجة تقع موقع التداخل بين حقوق الله وحقوق الناس.([36])
بالمعنى الأوسع، يتجلى في الإسلام مفهوم الإنسان ككيان مستقل. فأولاً وقبل كل شيء، يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم {ولقد كرمنا بين آدم}؛ ([37]) أي أن الله تعالى منح الكرامة للبشر. ولا تُعني هذه الكرامة بمسألة الدين أو العرق أو الجنس أو الوضع الاجتماعي الاقتصادي، بل هي عالمية وغير قابلة للتصرف. وقد كانت هناك قصة في الأثر توضح هذا الاحترام المتأصل لحفظ الكرامة التي منحنا الله البشر، وقد وقعت هذه القصة في عهد الخليفة عمر رضى الله عنه. كان ابن عمرو بن العاص، أحد حكام الخليفة، قد ضرب رجلاً قبطيًا بالسوط في أحد السباقات ولم يخضع لأي عقوبة. فكتب عمر إلى عمرو بن العاص "مُذ كَمْ تعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا ؟! وفي بعض الروايات أن عمر رضى الله عنه أمر القبطي بأن يضرب ابن عمرو ببن العاص بالسوط. ([38]) فالدروس المستفادة من هذا الحادث متعددة: أولا، هناك إقرار واضح بحرية الفرد، بصرف النظر عن تجاوزاته، والتي هي في هذه القصة غير ذات صلة. كانت شروط حريته ببساطة أنه ولد حرًا، وهذا في حد ذاته منحه الحق في التعامل باحترام وكرامة. ما هو أبعد من ذلك أنه بمجرد تجاوز هذه الحقوق فحينها يكون الحاكم مسؤولاً عنها، مشيرًا إلى القيود المفروضة على القوى الحاكمة الإسلامية عندما يتعلق الأمر بحقوق الأفراد.
وكما هو الحال في الطقوس الدينية الأخرى، فحرمة الحياة هي ركن حيوي في الإسلام. ففي عدة مواضع في القرآن الكريم، يحّرم الله قتل النفس:
{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }ً (القرآن الكريم، 5: 32).([39])
{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً} (القرآن الكريم، 17: 33).([40])
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (القرآن الكريم، 6:151). ([41])
ويذكر الله تعالى أيضاً أن لكل شخص حق في الحياة، بل وله حق في التمتع بها كذلك:
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ — قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (—قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (القرآن الكريم، 7-33:31). ([42])
وإلى جانب القيم الأوسع نطاقاً التي تشمل حرمة الحياة واحترام كرامة الإنسان، فالإسلام يعلن بوضوح حقوقاً أساسية وغير قابلة للتصرف أكثر تحديدا لجميع الناس. فمن خلال حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومن خلال التوجيهات الواردة في القرآن الكريم، فإن الشريعة الإسلامية تقدّر المساواة بيان الناس من حيث رفاههم المدني والاجتماعي والسياسي. وعن الحق في المأوى والغذاء، روى عثمان بن عفان رضى الله وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء".  ([43])
ولكن ما هو أكثر من ذلك هو أن الشريعة الإسلامية تذهب إلى ما يتجاوز الدعوة إلى المساواة في الحصول على الحياة والمعيشة؛ إذ أنه يضع على عاتق الناس مسؤولية ضمان هذه الحقوق للآخرين:
{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}(القرآن الكريم، 70-25:24. ([44])
ومن بين الحقوق الأخرى التي تُمنح للأفراد ببساطة بحكم كونهم بشر هي الحق في حرية المعتقد والحق في العلم والحق في الاختلاف.
عن حرية المعتقد:
{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ} (القرآن الكريم، 256:2) ([45])
عن الحق في العلم:
{مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (القرآن الكريم، 17:15). ([46])
عن الحق في الاختلاف:
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (القرآن الكريم، 5:48) ([47])

الخلاصة

في عام 1990، اجتمعت مجموعة من الدول الإسلامية للتصديق على إعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام. وهذه الدول انتقدت قبل ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 دون مراعاة للأطر الثقافية والدينية لحقوق الإنسان في السياقات غير الغربية. ونتيجة لذلك، صاغت هذه الدول إعلاناً عزز إلى حد كبير التأكيدات العالمية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ذاته، ولكنها استخدمت لغة الإسلام في توصيل مبادئه ومبرراته. هذا المثال يثير سؤالاً: هل هناك أو يجب أن يكون هناك إطار إسلامي منفصل لحقوق الإنسان؟ وهل يختلف بالضرورة عن الإطار العلماني الحديث لحقوق الإنسان أو يتعارض معه؟ إذ يبدو جليًا أن الموقعين على إعلان القاهرة كانوا يشعرون بالحاجة إلى تأكيد صيغة إسلامية أو على الأقل تأكيد التوافق الإسلامي مع مجموعة حقوق الإنسان التي تعتبرها الأمم المتحدة مقبولة أخلاقيًا وقابلة للحماية.
إن السؤال القائم حول ما إذا كان الإسلام وحقوق الإنسان الحديثة متوافقين، ومن أجل الإجابة عليه علينا أن لا ننظر إلى أدوار الدين فحسب، بل ننظر أيضًا إلى التاريخ والسلطة والأخلاق ذاتها. هذا التداخل من شأنه تسليط الضوء على الإشكاليات التي تحيط بفهمنا الحالي لحقوق الإنسان وفهم كيفية حمايتها. وكما بينت هذه الورقة، فإن حقوق الإنسان الحديثة حافلة بالتناقضات، وهي تناقضات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمسألة التلاعب بالإسلام لتحقيق أغراض سياسية. فمن ناحية، تبدي النصوص الإسلامية والتاريخ قلقًا بالغًا حول حرمة الحياة والتمتع بها، فضلاً عن الحريات الفردية بكل معنى الكلمة -انطلاقاً من مبدأ احترام الفرد على مستوى الشخصي وصولاً إلى حماية الفرد الحكم الفاسد التضليل الديني بخلاف ذلك. من ناحية أخرى، يعد الإسلام محور العديد من "الخطط" المتعلقة بالموارد، والتوسع العسكري، والأمن، والثقافة، ولقد كانت هذه الحقيقة تبريرًا ذرائعيًا لخلق إشكالية حول الإسلام وحقوق الإنسان، وهي بعيدة كل البعد عن الدين ذاته.

[1]خالد أبو الفضل، الالتزام بحقوق الإنسان في الإسلام، في جوزيف رونزو ونانسي مارتن وأرفيند شارما (الناشرون)، حقوق الإنسان والمسؤوليات في أديان العالم، ص 1-25. وان وورلد. 2003.

[2]المرجع نفسه.

[3]أندرو فاجان. "حقوق الإنسان". موسوعة الانترنت للفلسفة.

[4]ديفيد فورسيث. المقدمة. موسوعة حقوق الإنسان. الباب الأول. مطبعة جامعة أكسفورد. 2009.

[5] جوزيف رونزو. "الحقوق العلمانية والمسؤوليات الدينية". في جوزيف رونزو ونانسي مارتن وأرفيند شارما (الناشرون)، حقوق الإنسان والمسؤوليات في أديان العالم، ص 1-25. وان وورلد. 2003.

[6]المرجع نفسه.

[7]بول سيغارت، القانون الدولي لحقوق الإنسان 15(كلارندون بريس، 1995).

[8]ديفيد فورسيث.

[9]ماشلين آر. إيشاي، قارئ حقوق الإنسانالإصدار الثاني. روتليدج 2007. "المقدمة".

[10]عهد الإرهاب. موسوعة بريتانيكا.

[11]ماشلين آر. إيشاي.

[12]إيرين بلوم، جيه. بول مارتن، وواين إل. بروود فوت. التنوع الديني وحقوق الإنسان.مطبعة جامعة كولومبيا، 1996. المقدمة.

[13]المرجع نفسه.

[14]المرجع نفسه، ص 210-230.

[15]المرجع نفسه، ص 248-267.

[16]جاك دونيلي. "النسبية الثقافية وحقوق الإنسان العالمية". حقوق الإنسان الفصلية المجلد 6، رقم 4، (نوفمير 1984). ص 400-419.

[17]المرجع نفسه.

[18]المرجع نفسه.

[19]"النص. الرئيس بوش يلقي خطاباً للأمة." 20 سبتمبر 2001. واشنطن بوست  أون لاين..http://www.washingtonpost.com/wpsrv/nation/specials/attacked/transcripts/bushaddress_092001.html.

[20]ليلى أبو لغد. هل المرأة المسلمة حقاً بحاجة لمن ينقذها: تأملات أنثروبولوجية حول النسبية الثقافية وعواقبها." الأنثروبولوجيا الأمريكية. المجلد. 104، رقم 3. سبتمبر 2002.

[21]المرجع نفسه.

[22]المرجع نفسه.

[23] صموئيل هنتنغتون. "صراع الحضارات؟" العلاقات الاجنبية. المجلد. 72، رقم 3. (صيف، 1993). نشرها مجلس العلاقات الخارجية.

[24]آدم ويثنول. دونالد ترامب يقول "إن التعذيب نتائجه مؤكدة" في المقابلة الرئيسية الأولى كرئيساً للولايات المتحدة". ذا اندبندنت.

[25]الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. المقال رقم 5.

[26]آلان ديرشوفيتز. تبرير التعذيب. انظر "قارئ حقوق الإنسان" تحرير ماشلين آر. إيشاي.

[27] إيفلين السلطاني. العرب والمسلمين في وسائل الأعلام: العرق والتمثيل بعد أحداث 11 سبتمبر. مطبعة جامعة نيويورك. 2012

[28] ديفيد كول. دعونا نكافح الإرهاب، وليس الدستور في الحقوق مقابل الأمن العام بعد أحداث 11 سبتمبر: أمريكا في عصر الإرهاب (إيه. إتزيوني، وجيه. مارش، (الناشرون، 2003).

[29] كارولين سيمون. "مكتب التحقيقات الفيدرالي يصنع قضايا الإرهاب على نطاق أوسع من أي وقت مضى". صحيفة "بنزنس إنسايدر". 9 يونيو 2016. ومايكل ليشتبلو. مكتب التحقيقات الفدرالي توسع نطاق التحقيقات في القضايا الإرهابية المتورط فيها داعش." ذا نيويورك تايمز 7 يونيو 2016.

[30] شاندرا مظفر. "الإمبريالية الغربية وحقوق الإنسان" انظر من حقوق الإنسان إلى كرامة الإنسان". 1999.

[31] جوزيف مسعد. الإسلام في الليبرالية.2015. مطبعة جامعة شيكاغو.

[32] إبراهيم موسى. "معضلة أنظمة الحقوق الإسلامية" صحيفة القانون والدين. المجلد. 15، (2001)، ص. 185-215.

[33]المرجع نفسه.

[34]خالد أبو الفضل، الالتزام بحقوق الإنسان في الإسلام، في جوزيف رونزو ونانسي مارتن وأرفيند شارما (الناشرون)، حقوق الإنسان والمسؤوليات في أديان العالم، ص 1-25. وان وورلد. 2003.

[35]إبراهيم موسى. "معضلة أنظمة الحقوق الإسلامية" صحيفة القانون والدين. المجلد. 15، (2001)، ص. 185-215.

[36]المرجع نفسه.

[37]القرآن (17:70).

[38]ابن عبد الحكم، فتوح مصر والمغرب225-226. عبد المنعم أمير (الناشر)، القاهرة: عيسى باب الحلبي 1961).

[39] سيد حسين نصر. (2015)دراسة القرآن الكريم: ترجمة وتعليق جديدين HarperOne

[40]المرجع نفسه.

[41]المرجع نفسه.

[42]المرجع نفسه.

[43] سنن الترمذي2341

[44] سيد حسين نصر. (2015)دراسة القرآن الكريم: ترجمة وتعليق جديدين HarperOne

[45]المرجع نفسه.

[46]المرجع نفسه.

[47]المرجع نفسه.