تَفَكَّر في الإنسان وخضوعه للمولى عز وجل بكل طريقة ممكنة، وتَفَكَّر في أنَّ الله هو المَنُوط بكيفية كل ضخة دم تابعة لكل دقة قلب، وأنَّ كل خلية دم لها إمكانات قاتلة الرحمن وحده هو القادر على منعها. تَفَكَّر في الماء الذي يأمر سبحانه وتعالى السحاب بإنزالِه، كل قطرة منها لا تكون خانقة أو سامة بالنسبة إليك هي رحمةً منه عز وجل. تَفَكَّر في حياة مليئة بالابتسامات والنوم المريح والنجاة بأعجوبة ـــ كلها برحمته عز وجل. تَفَكَّر في الرحمات التي يغمربها عز وجل مخلوقاته ويظل ينتظرهم بعدها لعصور مع عدم حاجته لذلك، فقط لأنه هو
"الودود". تَفَكَّر في كيفية تزويده لنا بنصٍ تلو الآخر، لرفضه سحب الرحمة من الأجيال اللاحقة في كل مرة خان أسلافهم فيها الأمانة والمعاهدات. تَفَكَّر في كيفية تقبله لأحد يرفض رحمته العظمى، ألا وهي الوحي، لحياةٍ كاملة. ومن الممكن أيضاً أن يكون قد قَبِل الناس لإيمانهم به، فقط بـ دمعة ندم واحدة في فراش موته. تَفَكَّر في كونه عز وجل لا يخشى أحداً ولا يملك أحد ضره، ومع ذلك فهو يرجئ العقاب ويمنح ملايين الفرص لغفران غطرسة وخيانة عباده المتكررة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي. فَهْوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ".
[34]تَفَكَّر كيف كتب سبحانه وتعالى على نفسه الرحمة بدون نظير فقط لأنه هو الرحمن الرحيم.وأخيراً، اعتبر بأنَّ حكم إله بهذه الصفات على أي أحد بجهنم لا يَخرُج أبداً عن كونهم ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة: "
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ".[35] يحتاج المسلم إلى الثبات على مبدأه الذي يَتَطَلَّبه إيمانه ووضوحه، والقيام بتعزيزه إلى أن يكون قادراً على رفض ثمة فكرة تعترضه.
في زمن النقد المعتوه للدين ولله، يجب أن تكون مُثَقَّلاً بالثقة العمياء بأنَّ الله سيكون أرحم عليك وعلى أي أحد تتساءل عن قَدَرِه؛ من أمٍ على طفلها. ولتتولد تلك الثقة بزيارات نمطية للتأمل في وحيه الأخير وتغذية بصيرتك الروحية من خلال التزود بطقوس التقوى.
نسأل الله أن يجنبنا عدله وهو ما نستحقه بكل تأكيد، ويرحمنا برحمته الواسعة وهو أرحم الراحمين. آمين.
ملاحظة: سيتم مناقشة أبعاد أخرى من "مسألة جهنم" في مقالات لاحقة في المستقبل ان شاء الله، مثل مسألة عذاب الخلد لجرائم فانية، وما إذا كانت جهنم خالدة فعلاً أم لا.
[1] أخرجه البخاري (٥٦٨٣) ومسلم (٦٩١٢).
[2] سورة الأعراف (٧): ١٥١ وسورة يونس (١٢): ٦٤ وسورة يوسف (١٢): ٩٣ وسورة الأنبياء (٢١): ٨٣
[3] سورة الأعراف (٧): ١٥٦
[4] مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٦/٤٤٨).
[5] أخرجه البخاري (١٢٨٤) ومسلم (٩٢٣).
[6] أخرجه مسلم (٦٩٠٨) وابن ماجه (٤٢٩٣) وأحمد (٩٦٠٧).
[7] أخرجه البخاري (٦٠٠٠، ٦٤٦٩).
[8] التذكرة للقرطبي، (١/٧٩٧).
[9] سير أعلام النبلاء، الذهبي، (٧/٤٤٥).
[10] أخرجه الحاكم عن أنس – رضي الله عنه – وأخرجه الألباني في صحيح الجامع (٧٠٩٥).
[11] يقول الله تعالى: " فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ." سورة آل عمران (٣): ٣٢.
[12] سورة الجاثية (٤٥): ٢١
[14] سورة القلم (٦٨): ٣٥-٣٦.
[15] سورة الأعراف (٧): ١٥٦
[16] سورة الأعراف (٧): ٥٦
[17] أخرجه البخاري (١٢٨٤) ومسلم (٩٢٣).
[18] سورة الصافات (٣٧): ٨٧
[20] أخرجه البخاري (٥٣٤٩) ومسلم (٧٠٤٢).
[21] أخرجه أبو داود (٤٦٩٩) وأحمد (٢١٥٨٩).
[22] أخرجه البخاري (٧٤١٦) ومسلم (٢٧٦٠).
[23] أخرجه مسلم (٥٦٧١، ٥٦٧٢).
[26] انظر: أحكام أهل الذمة، (٢/١١٣٩)، ابن القيم. وأيضاً: صحيح الجامع (٨٨٣)، الألباني.
[27] أخرجه البخاري (١١٨٠)، أخرجه مسلم (٩٤).
[28] أخرجه البخاري (٧٧٠).
[29] سورة النساء، (٤): ١٤٧
[30] انظر كتاب حادي الأرواح لابن القيم، الصفحات (٧٥٦ - ٧٦١)
[32] سورة الصافات، (٣٧) ٥٠ - ٦١
[33] سورة البقرة، (٢) ٥٠.
[34] أخرجه البخاري (٧٥٥٤)
إخلاء مسؤولية: لا تعبر وجهات النظر والآراء ونتائج البحث والاستنتاجات الموجودة في هذه الأوراق والمقالات إلا عن رأي كُتابِها. وعلاوة على ذلك، "يقين" لا تُقِر أي من هذه الآراء الشخصية للكُتّاب على أي مَنصةٍ كانت. فريقنا على قدرٍ من التنوع على جميع الجبهات، مما يُتيح استمرارية إثراء الحوار، والتي بدورها تُساعد على إنتاج بحث عالي الجودة.
حقوق النشر محفوظة © ٢٠١٧. معهد يقين للبحوث الإسلامية