مُقدمة

بِسمْ الله الرَحمنْ الرَحيمْ
تُعرَف فكرة العناية الإلهية أيضاً بالحُكم الإلهي أو القَدَر ــ الذي يُفيد أن كل شئ تم تقديره بواسطة الخالق منذ بداية الخلق، وهو ما تَسَبَّبَ في حيرة أغلب علماء اللاهوت والفلاسفة لقرونٍ عِدة. فكيف يُمكِنُنَا أن نُوَفِّق بين شيئين من الواضح أنهم متعارضين؛ سلطة الله المطلقة وسيادته على جميع مخلوقاته، وفي نفس الوقت مسؤوليتنا عن أفعالنا؟ هل نحن مُسَيَّرين، أم أن اختياراتنا لها قيمة؟
أدَّي هذا السؤال إلي واحدٍ من أقوى الخلافات الطائفية في المجتمع الإسلامي بين القَدَرِيَّة الذين يؤمنون أنَّ العباد لهم حرية الإرادة المطلقة (وأن الله لا يتحكم بنا)، والجَبْرِيَّة الذين يؤمنون بالجَبْر المطلق والقضاء والقدر (أن العباد لا يستطيعون السيطرة على أفعالهم). وطَوَّر كلٍ من هاتين المجموعتين نظرية لاهوتية متطرفة و ضلالية. لماذا ندعوا الله في كل صلاة إذا كان ليس لديه القدرة في أن يتحكم في عباده؟ وإذا لم يكن لدينا سيطرة على أفعالنا و أقدارنا، لماذا نعمل أي أعمال صالحة على الإطلاق؟
ولم يكن هذا السؤال مجرد جِدالاً حاداً في التاريخ الإسلامي الأول، بل شكَّل مسألة تاريخية مهمة لأسباب تتعلق بالتَّدَيُّن والعَلْمَانِيَّة أيضاً، فقد كتب الفيلسوف اليوناني القديم أرِسطو بجدية عن هذا الموضوع منذ ما يزيد عن ألفَي سنة لأهمية آثاره في فهم النظام الكوني وأصل الحياة والحرية الإنسانية والسعادة.[1] ثم أصبح هذا النقاش في الوقت المُعَاصِر موضوع نقاش أكاديمي مُركَّبْ تحت عنوان الحَتْمِيَّة في بعض التخصصات العلمية مثل الرياضيات والفيزياء والأحياء وعلم النفس وعلم الاجتماع.[2] فمن الواضح أن فَهْمِنَا للقَدَر يلعب دوراً حاسماً في كلٍ من نظرتنا للعالم، بل والأهم من ذلك، سلوكنا فيه. وقد واجه المسلمون كثير من الشكوك في معتقداتهم الإيمانية بسبب الألغاز الفلسفية الوافرة المُنبَثِقَة منها. فكيف حل الإسلام هذه الأُحْجِيَة؟
فقد تبنَّي القرآن والسنة مِنهاجاً وسطاً بين آراء المجموعتين المتطرفتين، وهو ما يَجمع بين كُلٍ من قدرة الله سبحانه وتعالى علي عباده ومسؤولية البشرعن أفعالهم. وانطلاقاً من مفهوم منطقي بحت، يشترك هذان المفهومان في الحصرية فقط، أو بعبارةٍ أخرى، يبدو أنهما لا يمكن أن يكون كلاهما حقيقي. ومع ذلك، لابد أن نتذكر أن الله عز وجل واجد خارج نطاق الزمان والمكان في الحجاب الكوني غير المرئي. وعلى النقيض، فنحن البشر بإمكاننا فقط أن نتصور الحقائق الواقعة داخل نطاق الزمان والمكان. وتَكمُن العناية الإلهية أو القدر خارج نطاق الزمان والمكان، وهو ما يعني أننا غير قادرين على تصورهما بقدراتنا العقلية المحدودة.
ولهذا السبب نقل الله واقع القدر باستخدام أدوات لُغوية  خاصةً الصُّوَر الفنية وهو ما يعني في العلوم القرآنية: "إخراج مدلول اللفظ من دائرة المعنى الذهني المجرد إلى الصورة المحسوسة والمتخيلة."[3] هذه الصورهي: القلم واللوح المحفوظ وسجلات الملائكة التي تُقَيَّد بها أعمالنا المختلفة. فهي تُبين طبيعة القدر حيث أن الله عز وجل له كامل القُدرة فيما كُتِب في البداية وله مَحْوما يأتي لاحقاً. هذه التصورات ليست خيالية أو مجرد كنايات: بل على النقيض فهي تؤسِّس حقائق عميقة وأساسية في الكون. ولازال بإمكان المولى عز وجل أن يُغَيِّر القَدَر طبقاً لأفعالنا واختياراتنا علي الرغم من أن الحكم قد صَدَرَ بحق كل شئ منذ بداية الخلق، فنحن في الواقع مسؤولون عن جميع أفعالنا، وارتبطَت إرادتنا الحرة بقدرٍ من السيطرة المحدودة تحت إرادة المولى عز وجل لتُحدِّد مصيرنا المطلق.

طبيعة العناية الإلهية

يعني مصطلح العناية الإلهية في الإسلام "القضاء والقدر"، فهو مزيج من مصطلحين يُعبِّروا عن مفهومي العناية الإلهية، فكتب ابن حجر: "وقالوا - أي العلماء - القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل، والقَدَر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله."[4]
وعلى الرغم من أن العلماء عرَّفوا المصطلحات بطريقة مختلفة، فالتعريفات المطروحة هنا تابعة لنوعين من النصوص في القرآن والسنة؛ أما الأولى فتشير إلي القضاء في المطلق وشروط لا يمكن تغييرها، وأما الثانية فتشير إلي التعديلات في هذا القضاء وتطبيقها الكوني. وتبدو هذه النصوص متناقضة للوهلة الأولى، لكنهما في الحقيقة مفهومان لنفس الحقيقة المتعارضة ظاهرياً كنتيجة لمحدودية إطار فهم العقل البشري. ويتوجه كل نوع من هذه النصوص لنفس الهدف الموحَّد ألا وهوهدايتنا للسلوك الصحيح تجاه المولى عز وجل وتجاه رفقائنا من الجنس البشري.
وتتجسَّد الشروط غير القابلة للتغيير في المعنى التصويري الظاهري للوح المحفوظ والذي يتضمن كل شيء سيحدث بما فيه نصوص الوحي الإلهي.
يقول المولى عز وجل:
{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (٢٢)}[5]   
ينقل المصطلح الحقيقة المطلقة للعناية الإلهية من خلال التصور العقلي لشيء ما - اللَّوح - مألوف لدينا جميعاً على الرغم من أن اللوح المحفوظ يختلف عن أي لوح نعرفه، لكن الصورة نُقِلَت بوضوح.
يتضمن قول اللَّوح المحفوظ أن الله عليم بكل شيء قبل أن يُخلَق أصلاً.
يقول المولى عز وجل:
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[6]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"‏إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ فَلِذَلِكَ أَقُولُ جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ"[7] 
لا يعلم الله المستقبل فقط، بل هو خالق كلِّ شيء وربًّه ومليكه وإلهه، وكل شيء تحت قهره وتسخيره وتدبيره وتقديره.
 يقول المولى عز وجل:
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[8]
بالإضافة إلي أن الملائكة تَكتُب كلاً من: الرزق والعمر والأعمال والمصير المطلق لكل البشر في الآخرة حالما تُنفَخ الروح في جسد الجنين. فمصيرنا مُقدَّر من قبل أن نولد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"‏إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْذَنُ  بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى لاَ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا‏"[9]
فبمجرد أن نأتي إلي هذا العالم يُمَهَّد لنا طريقنا ومصيرنا، ولكن لا تزال إرادتنا و أفعالنا ذات معنى لأنه بإرادة المولى عز وجل يجعل إرادتنا هي السبب في تغيير مسار الأحداث. ولمّا كان الله هو المُتحكِّم بمصائر العباد، فالطريقة الوحيدة لتأمين مصير جيد هي مناشدة المولى عزوجل بالعبادة والصلوات وصالح الأعمال.
"رُفِعتْ الأقلام وجفّتْ الصُحُفْ" أي ليس لنا سلطان علي أنفسنا في هذا السياق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"‏يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ  بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" [10]
لاحِظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا في هذا الحديث من خلال صاحبه ابن عباس (رضي الله عنه) أن الأقدار قد صُنِعَت، وأن الصُحُف جفَّت.
ومع ذلك يخبرنا صلى الله عليه وسلم بأفعالٍ موصوفةٍ: أن نذكر الله ونستعين به.
النقطة التي يجب فهمها أن كل شيء يحدث إنما يحدث بإرادة الله ومشيئته علي الرغم من أن الله لا يكون راضٍ عن كل ما سمح له أن يحدث. فهناك طريقتين لفهم "إرادة المولى عز وجل": الإرادة الكونية، والإرادة التشريعية. تشمل الإرادة الكونية كل ما يحدث في العالم سواء كان خيراً أو شراً. وتتكون الإرادة التشريعية من الأفعال الصالحة التي يريد الله تعالى أن نفعلها.
يكتب ابن أبي العز، الشارح الأول والمتَّفق عليه لعقيدة الطحاوي:
"أما أهل السنة فيقولون: إن الله وإن كان يُريد المعاصي قدراً، فهو لا يُحبها ولا يرضاها، ولا يأمر بها، بل يبغضها، ويُسَخَِطها، ويكرهها، وينهى عنها...
والمُحَقِّقُون في أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة قدرية كونية خَلقِيَّة، وإرادة دينية أمرية شرعية.
فالإرادة الشرعية: هي المُتضَمِّنَة للمحبة والرضى.
و الكونية: هي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث."[11]         
أما السبب الذي قاد إلى العلمانية في التاريخ الإسلامي الأول هو اللَّبْس الواقِع بين القدرية والجَبرِيَّة وعدم فهمهم لهذه النقطة.
ويُكمِل ابن عز فيقول:
"ومَنشأ الضلال: من التسوية ما بين المشيئة والإرادة، وبين المحبة والرضا، فسوَّى بينهما الجبرية والقدرية ثم اختلفوا، فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فيكون محبوباً مرضياً، وقالت القدرية النُّفاة: ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له، فليست مُقَدَّرَة ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخَلْقِه.[12] 
وتلخيصاً لذلك، قال الجبرية إن الله يُريد الخير والشر، ونتيجة لذلك فهو يُحب الاثنين، بينما قال القدرية أن الشر ليس من إرادة الله، وهو ما يعني أنه مخلوق بواسطة قوة أخرى. أنكر الجبرية المسؤولية الخُلُقية على البشر، وأنكر القدرية قدرة الخالق المطلقة.
والحقيقة أن أفعالنا ذات أهمية حقيقية وفارقة، ولها القدرة على تغيير مسار أقدارنا، فتنصلح أحوالنا و تتغير أقدارنا للأفضل عندما تتوافق إرادتنا مع إرادة الخالق التشريعية ــ الاستسلام لإرادة المولى عز وجل.
 يقول المولى عز وجل:
{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[13]
أُم الكتاب هي اللوح المحفوظ المكتوب فيه القدر غير القابل للتغيير منذ بداية الخلق، ولكن كُتُب الأفراد وأعمالنا ومصيرنا المخطوط من قِبَل الملائكة يمكن تغييره بأفعالنا. يُفسِّر ابن عباس الآية فيقول: "هناك كتابان: كتاب يمحو الله منه ما يشاء، وعنده أم الكتاب"[14] 
في الواقع، تُسَجِّل الملائكة يومياً الأعمال وتحَدِّد المصائر.
 يقول المولى عز وجل:
{يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[15]
سأل أبي الدرداء (رضي الله عنه) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم: "من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويخفض آخرين"[16] 
وفسَّر مُجاهِد (رضي الله عنه) أيضاً هذه الآية فقال: "من شأنه أن يُعطِي سائلاً، ويَفُك عاتِيَاً، ويُجيب داعياً، ويشفي سقيماً." وقال أيضاً: "كل يوم يُجيب داعياً، ويَكشِف كرباً، ويجيب مُضَّطراً، ويغفر ذنباً."[17]
فتتغير أقدارنا للأفضل فقط عندما نُخْضِع أنفُسنا لإرادة الله، فالتغيير الظاهري في القَدَر ليس نتيجة قوتنا وقدرتنا، وليس بدون علم المولى عز وجل.
يكتب ابن حجر المُعَلِّق على مجوعة صحيح البخاري المُعْتَمَدة:
"والحق أن النزاع لفظي وأن الذي سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل وأن الذي يجوز عليه التغيير والتبديل ما يبدو للناس من عمل العامل ولا يبعد أن يتعلق ذلك بما في علم الحفظة المُوَكَّلين بالآدمي فيقع فيه المَحْو والإثبات كالزيادة في العمر والنقص وأما ما في علم الله فلا مَحْو فيه ولا إثبات والعلم عند الله"[18]
زناد تغيير الأقدار هو الأفعال من نوايا وصلوات وتضرع وأعمالٍ صالحة. كما أن قوة الأفعال ليست قادرة على تغيير هذه الأقدار، بل هي المكافأة التي يمنحنا إيَّاها المولى عز وجل نتيجة الاستسلام لإرادته، وبهذه الطريقة يصبح البشر مسؤولون عن أفعالهم.  

إرادة الإنسان وفعله ومسئوليته

لقد كان القرآن والسنة واضحين في التعبير عن المسئولية الأخلاقية للإنسان.
حيث يقول الله تعالى:
{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}[19]
فهذه هي غاية الحياة؛ فالاختبار العظيم الذي تُتَوَّج نهايته بيوم القيامة لا يكون منطقياً إلا إذا كان الحكم عادلاً وذو مغزى. لذلك فإن الله أعطى الإرادة للإنسان ليستخدمها في فعل الخير. إرادتنا هي "إرادة حرة" مما يعني أننا لسنا مُرغَمين على فعل شيء ما، كما أننا نُعاقَب أو نُكافَأ في الحياة الآخرة بما فعلناه بالإرادة التي منحنا الله إيَّاها.
يقول الله تعالى :
{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ  وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[20]
كما يقول أيضاً:
{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[21]
كما يقول الفقيه والأصولي الحنبلي، ابن تيمية:
"وَمِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا مَعَ إيمَانِهِمْ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَأَنَّهُ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ الْعِبَادَ لَهُمْ مَشِيئَةٌ وَقُدْرَةٌ يَفْعَلُونَ بِمَشِيئَتِهِمْ وَقُدْرَتِهِمْ مَا أَقْدَرَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْعِبَادَ لَا يَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ."[22]
لذلك فإن ما نقرر فعله بالإرادة التي منحها الله إيانا يُحدِّد قضاء الله الذي يُنزِله بالمرء.
فجوهر المسألة أن أفعال الخير يكون عاقبتها الخير، وأن أفعال السوء يكون عاقبتها السوء.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ، وَالصَّدَقَةُ خَفِيًّا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ زِيَادَةٌ فِي الْعُمُرِ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ.)[23]
كما يقول ابن عباس رضي الله عنه:
(إِنَّ لِلْحَسَنَةِ ضِيَاءً فِي الْوَجْهِ، وَنُورًا فِي الْقَلْبِ، وَسَعَةً فِي الرِّزْقِ، وَقُوَّةً فِي الْبَدَنِ، وَمَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ، وَإِنَّ لِلسَّيِّئَةِ سَوَادًا فِي الْوَجْهِ، وَظُلْمَةً فِي الْقَبْرِ وَالْقَلْبِ، وَوَهْنًا فِي الْبَدَنِ، وَنَقْصًا فِي الرِّزْقِ، وَبُغْضَةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ.)[24]
وصلة الرَّحم – تحديداً – يكون جزاؤها أن يَبسُط الله للعبد في رزقه ويُزِيد له في أجله.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)[25] 
ويقول ابن عمر رضي الله عنه:
(مَنِ اتَّقَى رَبَّهُ، وَوَصَلَ رَحِمَهُ، نُسِّئَ فِي أَجَلِهِ، وَثَرَى مَالُهُ، وَأَحَبَّهُ أَهْلُهُ‏.‏)[26]
ومن أهم الأعمال التي يكون لها عظيم  الأثر الدعاء والتَّضَرُّع، فلا شيء يَرُد سوء القضاء مثل الدعاء.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
 (لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ)[27]
كما يقول أيضاً صلى الله عليه وسلم:
(مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إِذًا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ)[28]
حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء القضاء والقدر، فهو يعرف أن الله وحده هو القادر على ذلك:
(اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيت)[29]
كما يروي أبو هريرة رضي الله عنه:
(أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ وَمِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَمِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ)[30] 
كما رُوِيَ عن الصحابة وعن التابعين أنهم كانوا يسألون الله أن يُغَيِّر من القضاء الذي ينزل بهم من السوء إلى الخير، فهذا أبو عُثْمان النَّهدي يقول:
(سمعت عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه يقول، وهو يطوف بالكعبة: اللهم إن كنت كتبتَني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت عليَّ الذّنب والشِّقوة فامحُني وأثبتني في أهل السّعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتُثبِت، وعندك أمُّ الكتاب.)[31]
وهذا ابن مسعود –رضي الله عنه – كان يقول: (اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي فِي أَهْلِ الشَّقَاءِ فَامْحُنِي، وَاثْبُتْنِي فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ)[32]
وهذا شقيق بن سلامة –رضي الله عنه- كان يقول:
(اللهم إن كنت كتبتنا عندك أشقياء فامْحُنا واكتبنا سعداء وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا فإنك تمحو ما تشاء وتُثْبِت وعندك أمُّ الكتاب)[33]
لقد أدرك السلف أن أياً ما يقع بالمرء من خيرٍ أو شرٍ فهو من قضاء الله، ومثال على ذلك أن عمر رضي الله عنه ارتحل إلى الشام وعندما وصل إليها وجد أن مرض الطاعون قد تفشى بها، فأخبر أن عودوا إلى المدينة فقال له أبو عبيدة " أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ" فأجاب عمر قائلاً:
(لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ. أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْت).[34]
فقد أدرك عمر أن كل ما يحدث نتيجة لعمل الإنسان إنما هو من قدر الله، لذلك على الإنسان أن تكون أعماله موافقة لذلك وأن يأخذ بالأسباب. ففي هذه المسألة، تَجَنَّب عمر مرض الطاعون لأنه أدرك أنه سيكون سبباً في الأذى. أما بعض الناس فيعتقدون –وهم مخطئون في ذلك – أن الإيمان بقدر الله يعني ألا يفعل الإنسان شيئاً، مثل شخص لا يرتدي حزام الأمان أثناء قيادة السيارة مُعْتَقِداً أن حزام الأمان لا يُؤَثِّر فيما كتبه الله عليه. لكن ما فعله عمر يُوضح لنا أن الإيمان الحقيقي بقدر الله هو أن يتصرف الإنسان وفقاً لما يتعرض له في حياته اليومية.
ويقول ابن حجر مُعَقِّبَاً على قول عمر: (لَوْ فَعَلَ لَكَانَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ وَتَجَنُّبِهِ مَا يُؤْذِيهِ مَشْرُوعٌ وَقَدْ يُقَدِّرُ اللَّهُ وُقُوعَهُ فِيمَا فَرَّ مِنْهُ فَلَوْ فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ لَكَانَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَهُمَا مَقَامَانِ مَقَامُ التَّوَكُّلِ وَمَقَامُ التَّمَسُّكِ بِالْأَسْبَابِ)[35] 
فهذا هو التوكل على الله حق توكله، بأن تتوكل على الله مدركاً أنه قد قَدَّرَ الخير لمن عمل من أجل الخير. بعبارة أخرى، أن نؤمن بأننا لو عَمِلنا من أجل الرزق لرزقنا الله.
فقد روى عمر –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
(لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا)[36]
كما يقول عمر رضي الله عنه:
(لَا يَقْعُدُ أحدكم عن طلب الرزق يقول اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تمطر ذهباً ولا فضة)[37]
هذا هو الفهم الصحيح للتدبير الإلهي؛ نفهم أن العالم ملئ بالأسباب والنتائج لذلك نأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى الخير موقنين بأن هذه الأسباب في ذاتها ليست ما نعتمد عليه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا عَدْوَى) أي أن جميع الأمراض تحدث بإرادة الله، ويقول –صلى الله عليه وسلم- في نفس الحديث: (وَلَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) أي أن الأسباب الدنيوية لها دور في علاج المرض.[38]
وبهذا الفهم نَتَيَقَّن أن نعتمد على الله وحده في جلب هذه الأسباب، فكل عمل ننوي فعله في المستقبل يجب أن نُقَيِّده بمشيئة الله تعالى لأننا نعلم أن إرادتنا وقُدرتِنَا وحدَهُما لن تكونا سبباً لهذا العمل.
يقول الله تعالى:
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا  إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[39] 
وإنه لَمِنَ الأهمية بمكان أن نتذكر أن الأعمال والأسباب إن لم تقترن بمشيئة الله تعالى فلا قيمة لها، إلا أنها تبقى ضرورية لنزول القضاء بالخير. فالفعل بالنسبة للمؤمنين يكون في مُقَدَّراً قبل وقوعه وبعده.
يقول ابن تيمية:
(وَالْعَبْدُ لَهُ فِي الْمَقْدُورِ " حَالَانِ " حَالٌ قَبْلَ الْقَدَرِ. وَ "حَالٌ" بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ قَبْلَ الْمَقْدُورِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ وَيَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَيَدْعُوَهُ فَإِذَا قُدِّرَ الْمَقْدُورُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ أَوْ يَرْضَى بِهِ وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ نِعْمَةٌ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ذَنْبًا اسْتَغْفَرَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.)[40]
يجب علينا أن نستعيذ بالله قبل وقوع القَدَر وأن ندعوه ونتضرع إليه وأن نعتمد عليه وأن نفعل كل ما هو ضروري لتحقيق الخير. أما بعد وقوع القَدَر فيجب علينا أن نتقبله ونمضي قُدُماً. فإن كان شراً لا علاقة له بأعمالنا مثل الكوارث الطبيعية إذاً نتقبلها باعتبارها جزءاً من فِتَن الحياة ونظل مُتمسِّكين بإيماننا، وإن كان القدر خيراً، نَحْمَد الله ونظل شاكرين له، وإن كان نتيجة أعمالنا الحسنة فنحن نحمد الله أن يسر لنا فعل الخير، وإذا كان نتيجة ذنوبنا، استغفرنا الله ونتوب إليه بفعل الخير. ففي جميع الأوقات يستجيب المؤمنون للقدر بفعل معين.
إن تَقَبُّل المصيبة التي تحل بالمرء نتيجة قدر الله هو أصعب ابتلاء قد يواجهه المرء في حياته. ففي الحقيقة أن أصل كلمة فتنة من فَتَنَ بمعنى "وضع الشيء في النار، تحديداً الذهب والفضة، من أجل فصل أو تميز الجَيِّد من الخبيث."[41] يُنَزِّل الله علينا الفِتَن لأنها وسيلة لتمحيص المرء من الناحية الأخلاقية والرُّوحية، حيث أن أسوأ الفتن تُخرِج أفضل ما في الإنسان.
لذلك وَجَبَ علينا عند حلول المصيبة أن نتقبلها وأن نمضي قُدُمَاً، وألَّا نظل متعلقين بالماضي نُنْكِر التفكير فيما وقع من أحداث مراراً وتكراراً حتى يصيبنا اليأس.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)[42]
إن تَقَبُّل المصيبة في هذه الحالة هو وسيلة لبث الرِّضا والطمأنينة، حيث أننا نؤمن بوجود حكمة إلهية وراء كل واقعة حتى ولو لم ندركها جيداً، فقول "لو" تفتح عمل الشيطان ليُفسد ذاك الشعور بالطمأنينة. يُعَقِّب النَّوَوِي على هذا الحديث فيقول: "فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ أَيْ يُلْقِي فِي الْقَلْبِ مُعَارَضَةَ الْقَدَرِ وَيُوَسْوِسُ بِهِ"[43] ، فكما قلنا يجب على المرء ألا يُعيد التفكير في الماضي.
فلا يعني قبول القدر بعد وقوعه – مع ذلك- عدم التعلم من أخطائنا والتجارب السلبية، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: (لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين)[44] وذاك يعني ألا نرتكب نفس الخطأ مرتين، كما يجب ألا نسمح بوقوع التجربة السلبية مرة ثانية إذا كنَّا قادرين على منع ذلك.
وفي النهاية، يجب علينا اتخاذ القرار في هذه الحياة، فيمكننا أن نختار عبادة الخالق وفعل الخير، أو أن نختار أن نتجاهل رسائل قدرته إلى خلقه، أياً كان الأمر فإن عواقب خياراتنا ستبقى للأبد.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم
(لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلاَّ أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، لَوْ أَسَاءَ، لِيَزْدَادَ شُكْرًا، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إِلاَّ أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، لَوْ أَحْسَنَ، لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَ)[45]
كل واحدٍ منا له مقعد في الجنة ومقعد في النار، فعندما ينتهي بنا الأمر إلى أحدهما نرى ما كان سيحدث لنا لو أننا سلكنا السبيل الآخر، سواء كان ذلك فوز فنشكر أو عذاب فنندم.
تَصَوَّر للحظة لو أنك قفزت من طائرة بمظلة، فإن كل ما لديك هما مصيران لا مفر منهما. إمَّا أن تفتح المظلة فتنجو، أو أن تفشل في فعل ذلك فتموت. لا سبيل للعودة إلى الطائرة. إن الأمر بيدك لتختار وتحدد المصير الذي تُريده. كذلك نحن نتجه إما إلى الجنة أو النار، لا يمكننا الهرب من قدر الخلود في إحداهما ولا سبيل إلى تغيير ما شَرَعْنَا فيه منذ بداية الزمن، إلا أن الطريق الذي يقودنا إلى سعادةٍ خالدةٍ في الجنة دائماً ما يكون مفتوحاً أمامنا واستخدامنا لإرادتنا الحرة هو الذي يُحدِث الفرق. إنه قرآننا وحده هو الذي يُحدِّد ما إذا كنا سنخطو أول خطوة في هذه الرحلة أم لا.

لُغْز القَدَر الإلهي:

لماذا يبدو وكأن القدر الإلهي يتعارض مع حرية الإرادة؟ إن أفكارنا عن الزمان والمكان تُقيد قدرتنا على إدراك أي شيء خارجهما بشكل كامل، فنحن غير قادرين على تصور حقيقة ليس لها بعداً زمنياً ومستقلة بذاتها ناهيك عن تصور ماهية أفعال الله عز وجل وأقداره التي تتخطى حدود الزمان والمكان. لا يمكن للعقل البشري أن يخرج عن تصنيفات الماضي والحاضر والمستقبل، لذلك نجد أن من غير البديهي أن أفعالنا المستقبلية محدَّدة من قَبْل في الماضي. لكن بالنسبة لله لا يكون هناك ماضٍ أو حاضرٍ أو مستقبل، فهو وحده بيده مقاليد الزمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَسُبُّ أَحَدُكُمْ الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ)[46] أي أن الله هو خالص الدهر. لا يقرر الله حدود أمر في المستقبل ثم ينتظر وقوعه، بل يُقدِّر –ببساطة- الواقع طبقاً لإرادته، وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.[47] 
وفي نهاية الأمر يعتبر القدر الإلهي غامضاً بسبب قصور قدرتنا على تصوَُر الحقائق خارج حدود الزمان والمكان وخارج النتائج والأسباب المادية. فالقدر مُبْهَم في جوهره حيث أن الإرادة الحرة والقدر بينهما تعارضاً ظاهرياً، كما أنه مُبْهَم في تفاصيله حيث أننا لا يمكننا أن ندرك -مباشرة- الحِكْمَة من المصائب والشرور التي يسمح الله بحدوثها.
وبالتالي يُشير العلماء إلى أن القدر هو سرٌ من أسرار الله وأن التَّعمَُق في فلسفته يقود إلى الضلال.
تنص العقيدة الطَحَاوِيَة على أن:
"وَأَصْلُ الْقَدَرِ سِرُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ وَسُلَّمُ الْحِرْمَانِ وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً"[48]
والتَّعَمُّق هنا يعني أن تنهمك وتنغمس في خلافات فلسفية حول القدر. إن مثل هذا التعمق والتَّشَدُّد هو الذي قاد الفِرَق القَدَرِيَّة والجِبْريَّة للانفصال عن المجتمع الرئيسي للمسلمين. وحتي يومنا هذا نجد فلاسفة وأصوليين وعلماء يتَّبِعون أفكاراً غاية البعد – في هذا الاتجاه أو ذلك – عن الفكر الإسلامي المعتدل.
وبناء على ذلك نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن الجدال حول القَدَر، فقد غَضِب النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما وجد أصحابه يتجادلون حول مسألة فقال:
(أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَتَنَازَعُوا فِيهِ)[49]
كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نكون حذرين وأن ننضبط في الطريقة التي نناقش بها القَدَر حيث يقول: (وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا)[50] 
وعلي هذا النحو، فإن الاعتقاد عند الإمام أحمد بن حنبل هو أن نتقبل القدر كما هو مؤمنين "بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْأَحَادِيثِ فِيهِ، وَالْإِيْمَانُ بِهَا لَا يُقَالُ لِمَ وَلَا كَيْفَ".[51] هذا هو الاعتقاد بلا تكيُّف وهو نفس الاعتقاد الذي نتَّبعه عند تفسير أسماء الله الحسنى وصفاته. وهناك وصفاً آخر لهذا الاعتقاد وهو التوقيف والذي يعني التَّوقُّف عند النصوص. ينقل ابن حجر عن السمعاني قوله: "سَبِيلُ مَعْرِفَةِ هَذَا الْبَابِ التَّوْقِيفُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دُونَ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَالْعَقْلِ فَمَنْ عَدَلَ عَنِ التَّوْقِيفِ فِيهِ ضَلَّ وَتَاهَ فِي بِحَارِ الْحِيرَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ شِفَاءَ الْعَيْنِ وَلَا مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى".[52]
ولأن الله لا تدركه الأفهام، فليس هناك فائدة من تفسير أشياء مثل "العَرْش" أو "يَدُ الله" أو "البصير" من خلال مقارنتها بالحقائق الدنيوية. فعلى الرغم من أن الكلمات مألوفة بالنسبة إلينا وأن المعنى العام لها واضح، إلا أن الحقائق الأكثر عمقاً لا يمكن لنا أن نتصوَّرها. وبالطريقة ذاتها يتسنَّي لنا أن نفهم حقيقة مبسطة عن القدر من خلال تصوُّر "القلم" و "اللوح المحفوظ" و "صحائف الأعمال"، إلا أن أي تفكُّر فيما عدا ذلك هو أمر مستحيل وسوف يؤدي بنا إلى الضلال.
إن التحليل العقلي والنقاش الفلسفي لهما دور بالتأكيد، إلا أن اليقين بالحقائق الإلهية يتخطى حدود العقل البشري. لنبتعد عن الإيمان الأعمى الذي لا يقبل النقد، فلكي نفهم هذه الشروط لابد من الاعتراف العقائدي بعجزنا أمام هذه الحقائق الغيبية، حيث أن ما يغيب عن إدراكنا هو واقع فسيح لا يمكن معرفته.

الخاتمة

إن القدر الإلهي هو واحد من أركان الإيمان الستة في الإسلام، ومع هذا فهو واحد من أول المفاهيم التي يُختَلف عليها مما أدى إلى ظهور الفِرَق في العصور الأولى للإسلام. يكمن التعارض الظاهري بين قُدرة الله وبين مسئولية الإنسان ولذلك ظهرت الفرق القَدَرِيَّة والجَبْرِيَّة – عندما عجزت عن التوفيق بين هاتين الحقيقتين –  بتغليب إحداهما على الأخرى وهو ما نتج عنه عقيدة غير مكتملة.
يتبع القرآن وكذا السنة نهجاً وسطاً بين هاتين العقدتين المُتَشَدِّدَتين، فالله هو القادر فوق كل شيء ويعلم كل شيء قبل وقوعه ويُقَدِّر حدوث كل شيء بقدرته التي لا حدود لها، وفي الوقت نفسه منح الله الإرادة للإنسان ليمتحن أفعاله ويحاسبه يوم القيامة.
إن حقيقة القدر قد نُقِلت إلينا عن طريق التَّصَوُّر الحرفي  للقلم واللَّوح المحفوظ وصحائف الأعمال، فقد قَدَّر الله كل شيء في اللَّوح المحفوظ الذي لا يتغير مطلقاً، ومع ذلك فإن وقوع هذه الأقدار يمكن أن يتغير طبقاً لأفعالنا؛ فلو أن الله قد قَدَّر لنا قضاء شر فله أن يُغَيِّره إذا دعوناه مُخلصين أو إذا أتينا من الأعمال الصالحة ما يُرضيه. إن الإرادة التي منحها الله إيَّانا والتي تخضع لإرادة الله توجه القدر الذي يُنزِله الله بنا فكل إنسان في النهاية لديه مصيرين قد قَدَّرهما الله له في الآخرة، واحد منهما فقط سيتحقق؛ إما الجنة أو النار.
هذه الصور التعبيرية هي أفضل وأسهل طريقة لفهم ما قد يكون بطريقة أخرى جدلاً فلسفياً معقداً. في ضوء ذلك يخبرنا الفقهاء بأن نتوقف عند النصوص وأن نتجنب الخوض في جدال حول هذا الموضوع.
ما كان من توفيق فمن الله، والله أعلم.

[1] دادلي جون، مفهوم الفرصة لأرسطو: الحوادث، السبب، الضرورة، والحتمية. (ألباني، دار نشر صني، ٢٠١٢)، ٢.

[2]أتمانسباتشر، هارالد، وروبيرت بيشوب، ما بين الفرصة والاختيار، نظرة تخصصية على الحتمية، (زرفرتون، إمبرنت أكاديميك، ٢٠٠٢) ١-٣

[3] مصطفى ديب البغا، محيى الدين ديب مستو، الواضح في علوم القرآن، طبعة: (دمشق، دار الكلم الطيب، ١٩٩٨) ١:١٧٠

[4] ابن حجر العسقلاني، احمد بن علي، "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" طبعة (بيروت، دار المعرفة، ١٩٥٩)، ١١:٤٧٧

[5] سورة البروج، ٨٥: ٢١-٢٢

[6] سورة الحج ٢٢:٧٠.

[7] محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي (بيروت، دار الغرب الإسلامي، ١٩٩٨)، ٤:٣٢٣، #٢٦٤٢. صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (الرياض، مكتبة المعارف، ١٩٩٦) ٣: ٦٤، #١٠٧٦.

[8] سورة الفرقان ٢٥:٢

[9] محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، (بيروت، دار طوق النجاة، ٢٠٠٢) ٩: ١٣٥، #٧٤٥٤. ابن الحجاج القشيري مسلم، صحيح مسلم، (بيروت، دار إحياء الكتب العربية، ١٩٥٥)، ٤:٢٠٣٦، ٢٦٤٣.

[10] الترمذي، سنن الترمذي، ٤: ٢٢٨، #٢٥١٦. صححه الترمذي في تعليقاته.

[11] أحمد بن محمد الطحاوي، وعلي ابن علي ابن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية، (بيروت، مؤسسة الرسالة، ١٩٩٧) ١:٧٩

[12]  أحمد بن محمد الطحاوي، وعلي ابن علي ابن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية، (بيروت، مؤسسة الرسالة، ١٩٩٧) ١:٣٢٤

[13] سورة الرعد، ١٣:٣٩.

[14] أبو جعفر الطبري، البيان عن تأويل آي القرآن، (بيروت، مؤسسة الرسالة، ٢٠٠) ١٦:٤٨٠، #١٣:٣٩

[15] سورة الرحمن ٥٥:٢٩

[16] محمد ابن يزيد ابن ماجه، سنن ابن ماجه، (بيروت، دار إحياء التراث العربي، ١٩٧٥)، ١:٧٣، ٢٠٢، وحديث حسن عند الألباني

[17] الطبري، جامع البيان، ٢٣:٢٩، #٥٥: ٢٩

[18] ابن حجر، فتح الباري، ١١:٤٨٨

[19] سورة الأنعام ٦:١٦٤.

[20] سورة التكوير ٨١:٢٩.

[21] سورة الإنسان ٧٦:٢٩-٣٠.

[22] تقي الدين ابن تيمية، مجموع الفتاوى. (المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ١٩٩٥)، ٨: ٤٥٩.

[23] سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الوسيط.(القاهرة: دار الحرمين، ١٩٩٥)، ٦: ١٦٣ #٦٠٨٦: صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (دمشق: المكتبة الإسلامية، ١٩٦٩)، ٢: ٧٠٨، #٣٧٩٦.

[24] محمد بن القيم الجوزي، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي. (المغرب: دار المعرفة، ١٩٩٧)، ١: ٥٤.

[25] أخرجه البخاري في صحيحه، ٨: ٥، #٥٩٨٥.

[26] محمد بن إسماعيل البخاري، كتاب الأدب المفرد. (الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ١٩٩٨)، ١: ٣٤ #٥٩: حسنه الألباني في كتابه.

[27] الترمذي، سنن الترمذي، ٤: ١٦ #٢١٣٩ قال الترمذي: حديث حسن.

[28] الترمذي، سنن الترمذي، ٥: ٤٨٥ #٣٥٧٣: قال الترمذي: حديث صحيح.

[29] الترمذي، سنن الترمذي، ١: ٥٨٧ #٤٦٤: قال الترمذي: حديث حسن.

[30] أخرجه مسلم في صحيحه، ٤: ٢٠٨٠ #٢٧٠٧.

[31] الطبراني، جامع البيان، ١٦: ٤٨٢ #١٣: ٣٩.

[32] سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الكبير. (القاهرة، الرياض: مكتبة ابن تيمية، دار الصميعي، ١٩٨٣)، ٤: ١٠٣.

[33] أخرجه البخاري في صحيحه، ٧: ١٣٠ #٥٧٢٩.

[34]ابن حجر، فتح الباري، ١٠: ١٨٥

[35] أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين. ( بيروت: دار المعرفة، ١٩٨٠)، ٢: ٦٢.

[36] الترمذي، سنن الترمذي، ٤: ١٥١ #٢٣٤٤:  قال الترمذي: حديث صحيح.

[37] أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين. (بيروت: دار المعرفة، ١٩٨٠)، ٢: ٦٢.

[38] أخرجه مسلم في صحيحه، ٤: ١٧٤٣ #٢٢٢١.

[39] سورة الكهف ١٨: ٢٣-٢٤.

[40] ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ٨:: ٧٦.

[41] لان، إيدوارد، معجم عربي – انجليزي. (كامبردج المملكة المتحدة: مجتمع النصوص الإسلامية، ١٩٨٤)، ٢٣٣٤.

[42] أخرجه مسلم في صحيحه، ٤:٢٠٥٢ #٢٦٦٤.

[43] يحيى بن شرف النووي، شرح النووي على صحيح مسلم. (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ١٩٧٢)، ١٦: ٢١٦ #٢٦٦٤.

[44] أخرجه البخاري في صحيحه، ٨: ٣١ #٦١٣٣.

[45] أخرجه البخاري في صحيحه، ٨:: ١١٧ #٦٥٦٩.

[46] أخرجه مسلم في صحيحه، ٤: ١٧٦٣ #٢٢٤٧.

[47] سورة البقرة ٢: ١١٧.

[48] أحمد بن محمد الطحاوي. متن الطحاوية. (بيروت: المكتب الإسلامي، ١٩٩٣)، ١: ٤٩-٥٠.

[49] الترمذي، سنن الترمذي، ٤: ١١ #٢١٣٣:  قال الألباني: حديث حسن لغيره، مشكاة المسبح (بيروت: المكتب الإسلامي، ١٩٨٥).

[50] الطبراني، المعجم الكبير، ١٠: ١٩٨ #١٠٤٤٨: قال الألباني: حديث صحيح، صحيح الجامع، ١: ١٥٥ #٥٤٥.

[51] هبة الله بن الحسن اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. (السعودية: دار طيبة، ٢٠٠٣)، ١: ١٧٥ #٣١٧.

[52] ابن حجر، فتح الباري، ١١:٤٧٧.